كامبريدج، ماساتشوستس — خلال أدائها وظائفها اليوميّة، تُفعِّل الخلايا طيفًا واسعًا من الجينات والمسارات الخلويّة. والآن، تمكّن مُهندسو معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا من حَملِ الخلايا على تسجيل تاريخ هذه الأحداث على هيئة سلسلةٍ بروتينيّةٍ طويلة يمكن تصويرها بالمجهر الضوئي. فالخلايا المُبرمَجة لإنتاج هذه السلاسل تُضيف باستمرار وحدات بناء تُمثِّل أحداثًا خلويّةً مُعيَّنة، ثم تُلوَّن لاحقًا بأجسامٍ مُضادّةٍ فلوريّة تتيح للباحثين قراءة السلسلة تحت المجهر وإعادة بناء توقيت تلك الأحداث.
قد تُساعِد هذه التقنية في تسليط الضوء على الخطوات الكامنة وراء عملياتٍ مثل تكوين الذاكرة، والاستجابة للعلاج الدوائي، والتعبير الجيني. يقول إدوارد بُويدِن، أستاذ تقنيات الأعصاب وأستاذ الهندسة الحيويّة وعلوم الدماغ والإدراك في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وباحث في معهد هوارد هيوز الطبي وعضو في معهد ماكغفرن لأبحاث الدماغ ومعهد كوتش لأبحاث السرطان التكاملية: "ثمّة الكثير من التغيُّرات التي تحدث على مستوى العُضو أو الجسم على مدى ساعاتٍ إلى أسابيع، ويصعُب رصدُها طوليًّا عبر الزمن".
وإذا أمكن توسيع هذه التقنية للعمل على فتراتٍ زمنية أطول، فيُمكن استخدامها أيضًا لدراسة الشيخوخة وتطوّر الأمراض، كما يؤكّد الباحثون. بُويدِن هو المؤلِّف الرئيسي للدراسة، التي نُشرت اليوم في مجلة "نيتشر بايوتكنولوجي". أمّا تشانغيانغ لينغهو، الزميل السابق لما بعد الدكتوراه في معهد ماكغفرن والذي يعمل الآن أستاذًا مساعدًا في جامعة ميشيغان، فهو المؤلِّف الأوّل للورقة.
تضمّ الأنظمة الحيويّة، مثل الأعضاء، العديدَ من الأنواع الخلويّة المختلفة، ولكلٍّ منها وظائف مميَّزة. وإحدى طرائق دراسة هذه الوظائف هي تصوير البروتينات أو الحمض النووي الريبي أو غيرها من الجزيئات داخل الخلايا، وهو ما يوفّر قرائن على نشاطها. غير أنّ معظم الأساليب الحالية تُقدِّم لمحةً واحدةً آنية فحسب، أو لا تُلاءِم المجموعات الكبيرة من الخلايا.
"الأنظمة الحيويّة غالبًا ما تتكوّن من عددٍ ضخم من الأنواع الخلويّة المختلفة. فعلى سبيل المثال، يضمّ الدماغ البشري \(86 \text{ مليار خلية}\)"، يوضح لينغهو. "ولفهم هذه الأنظمة، نحتاج إلى تتبُّع الأحداث الفسيولوجية على مدى الزمن ضمن هذه التجمّعات الهائلة من الخلايا."
ولتطوير طريقةٍ تُحقّق ذلك، اقترح فريق البحث تسجيلَ الأحداث الخلويّة كسلسلةٍ من وحداتٍ فرعيّةٍ بروتينيّة تُضاف على نحوٍ مُتتالٍ. في نظامهم، استخدم الباحثون وحداتٍ فرعيّة مُهندَسة لا توجد عادةً في الخلايا الحيّة، قادرةً على التجمُّع الذاتي في خيوطٍ طويلة. وصمّموا نظامًا مُشَفَّرًا جينيًّا يُنتِج إحدى هذه الوحدات باستمرار داخل الخلية، بينما تُنتَج الوحدة الأخرى فقط عند وقوع حدثٍ مُحدَّد.
وتحمل كلُّ وحدةٍ فرعيّة أيضًا ببتيدًا قصيرًا جدًّا يُسمّى وسمًا حاتميًّا؛ وفي هذه الدراسة اختار الباحثون الوسمَيْن \(\mathrm{HA}\) و\(\mathrm{V5}\). ويمكن لكل وسمٍ الارتباطُ بجسمٍ مُضادٍّ فلوريّ مختلف، ممّا يجعل من السهل تصوير الوسوم لاحقًا وتحديد ترتيب الوحدات الفرعيّة على امتداد السلسلة.
في هذه الدراسة، ربط الباحثون إنتاجَ الوحدة الفرعيّة الحاملةِ لوسم \(\mathrm{V5}\) بتفعيل جين يُسمّى \(c\text{-}fos\)، وهو من الجينات المُبكِّرة الفورية ويُنخرِط في ترميز الذكريات الجديدة. وتُشكِّل الوحداتُ الفرعيّة الموسومةُ بـ\(\mathrm{HA}\) معظمَ السلسلة، لكنّ ظهورَ وسم \(\mathrm{V5}\) في أيّ موضعٍ منها يدلّ على أنّ \(c\text{-}fos\) قد تمّ تفعيلُه في تلك الفترة.
يقول لينغهو: "نأمل أن يُمكِّننا هذا النوع من التجمُّع الذاتي للبروتين من تسجيل النشاط في كل خليةٍ على حِدَةٍ. إنّها ليست مجرّد لقطةٍ زمنيّة، بل تُسجِّل التاريخ بأكمله، تمامًا كما تحتفظ حلقاتُ نموِّ الشجرة بالمعلومات عبر الزمن".