الفوائد الاقتصادية للتباعد الاجتماعي المبكر التي كشفتها تأثيرات الطقس الماطر على تفشّي كوفيد-19

في مطلع جائحة كوفيد-19، دفعت الأمطارُ بعض سكّان مقاطعات أميركية إلى البقاء في منازلهم خلال عطلة نهاية الأسبوع السابقة لصدور أول أوامر البقاء في المنازل، بما يشبه التباعد الاجتماعي المبكر. وتشير بياناتٌ صحية إلى أنّ هذا التغيّر في سلوك الأفراد قد أنقذ على الأرجح أرواحًا عديدة. وقد استخدم اقتصاديون من جامعة كاليفورنيا في سانتا كروز هذا الظرف الطبيعي بوصفه «تجربةً طبيعية» لفهم كيف أنّ التباعد الاجتماعي المبكّر نسبيًّا في تلك المجتمعات أفضى إلى مكاسب اقتصادية ملموسة.

تشير النتائج إلى أنّ انخفاضًا بنسبة \(1\%\) في حصة السكّان الذين غادروا منازلهم، بفعل المطر خلال عطلة نهاية الأسبوع السابقة للإغلاق، كان كافيًا لإبطاء انتشار الفيروس بحيث يولّد منفعة اقتصادية صافية مُتوسّطة قدرُها \(132\) دولارًا لكلّ مقيم في المقاطعة على مدى أسبوعين، بفضل تجنّب وفيات كوفيد-19. وبالاستناد إلى هذه النتائج وإلى أدلّة سابقة، يُقدِّر مؤلّفو الورقة أنّ الشروع في الإغلاق قبل يومين قد يحقّق ما بين \(198\) و\(264\) دولارًا من المنفعة لكلّ شخص خلال أسبوعين، مقارنةً بتكلفة إضافية مُتوسّطة تتراوح بين \(2\) و\(14\) دولارًا لكلّ فرد من الأجور المفقودة.

قال أجاي شينوي، أستاذ مساعد في قسم الاقتصاد والمؤلّف الرئيس للورقة الجديدة: «عندما يتعلّق الأمر بفرض عمليات الإغلاق، أعتقد أنّ اتخاذ القرار بسرعة يُجدي حقًّا مقارنةً بنهج الانتظار والترقُّب».

تُكمّل نتائجُ الورقة الأساسَ الصحيَّ لهذا النقاش عبر تقديم حجّة اقتصادية واضحة لمزايا التحرّك السريع، بما يتيح مقارنةً أكثر مباشرةً مع التكاليف الاقتصادية التي غذّت الجدل السياسي حول أوامر البقاء في المنازل. كما أنّ تركيز الدراسة على التباعد الاجتماعي الناجم عن الأمطار يُتيح فرصةً فريدة لعزل أثر التباعد الاجتماعي عن متغيّراتٍ مصاحبة أخرى.

أوضح شينوي أنّ العديد من المجتمعات الأميركية التي سارعت إلى إصدار أوامر البقاء في المنازل تتشابه في خصائص ديموغرافية، وفي المناخ السياسي، وفي موارد الصحّة العامة. وقد تؤثّر هذه العواملُ مستقلّةً على مخرجات الجائحة، ما يصعّب عزل أثر التباعد الاجتماعي بحدّ ذاته. لكن المطر وفّر صدمةً خارجية دفعت الناس إلى البقاء في المنازل عبر طيف واسع من المجتمعات، وعلى نحوٍ شبه عشوائي.

وقال: «لا تُمطر أكثر في مقاطعةٍ لأنّ لديها مستشفياتٍ أفضل، ولا يُبالي المطر بكونك غنيًّا أم فقيرًا. إنّه يحدث عشوائيًّا إلى حدٍّ كبير — على الأقل بعد التحكّم في أنماط الطقس التاريخية — لذا منحتنا الطبيعة سيناريو يقارب تجربةً عشوائيةً حول آثار التباعد الاجتماعي».

وأشار شينوي إلى أنّ من مزايا «التجارب الطبيعية» أنّها تُسهم في التحقّق من صحّة تنبؤات النماذج الوبائية. وفي النهاية، يأمل أن تُساعِد نتائجُ هذه الدراسة في توجيه سياسات الصحّة العامة على نحوٍ أفضل.

وتُظهر تحليلات الورقة أنّ التباعد الاجتماعي المبكّر أسفر عن منافع اقتصادية مُتوسّطة القيمة لكن مهمّة، إذ يقلّل من احتمال اندلاع تفشّيات شديدة في عددٍ محدود من المجتمعات. ويضيف شينوي أنّ هذه الديناميكية تطرح تحدّيًا سياسيًّا رئيسًا فيما يتعلّق بأوامر البقاء في المنازل.

ويقول شينوي: «من الصعب على القادة في مقاطعةٍ معيّنة إظهارُ منفعةٍ ملموسة لسياساتهم، لأنّ ما تجنّبوه هو احتمالٌ ضئيل لنتيجةٍ كارثية. وقد تكون المقاطعة المجاورة محظوظةً أيضًا وتتجنّب النتيجةَ نفسها حتى من دون الإغلاق المبكّر. لذا، تحتاج حقًّا إلى عيّنة مقارنة واسعة جدًّا لتتمكّن من كشف هذه الفوائد فعليًّا».

يرى فريقُ البحث أنّ نتائجهم قد تُقدّم أداةً للتحقّق واسع النطاق من مزايا التباعد الاجتماعي السريع. بل يرجّح المؤلّفون أنّ الفوائد المُقدَّرة في الدراسة أقلّ من الواقع، إذ ركّزوا فقط على القيمة الاقتصادية للأرواح المُنقَذة، من دون احتساب فوائد أخرى محتملة مثل تقليل تكاليف الرعاية الصحية أو انخفاض عبء الأمراض المزمنة.

ويمكن للبحوث المقبلة أن تُوسّع الصورة بدمج تلك المنافع الإضافية ومقارنتها بتكاليف محتملة أخرى، مثل خسائر أرباح الأعمال، وفقدان ساعات التعلّم للأطفال، أو التأثيرات على الصحّة النفسية. كما سيكون من الضروري تقييم تأثيرات اللقاحات والعلاجات والمتحوّرات الأشدّ عدوى على معادلات التكلفة والمنفعة منذ الموجة الأولى للجائحة.

ومع ذلك، يشير شينوي إلى أنّ عاملًا رئيسًا يؤثّر في هذه الحسابات هو أنّ تكلفة التباعد الاجتماعي المبكّر تبقى ثابتةً في الأساس، بينما يُتوقَّع أن تتراكم الفوائد مع مرور الوقت. ويأمل أن يُسهم الفهمُ الأعمق لهذه العوائد الاقتصادية في تجديد النقاش حول سياسات الصحّة العامة.

وخَلَص شينوي إلى القول: «في تحليلنا، تفوقُ الفوائدُ الاقتصاديةُ التكاليفَ بفارقٍ كبير، والسبب في ذلك بدهيّ إلى حدٍّ ما. عندما يتعلّق الأمر بإبطاء انتشار فيروس كورونا، فإنّ اتخاذ خطوات مبكّرة لكسر سلسلة الانتقال يُعَدُّ استثمارًا في الصحّة العامة يعود بعوائد متزايدة».

مجلة اقتصاديات الصحّة 10.1016/j.jhealeco.2021.