تلعب البروتينات المرتبطة بالغشاء دورًا حيويًا في طيفٍ واسعٍ من العمليات الخلوية، غير أنّ الكثير ما يزال مجهولًا بشأن كيفية ارتباطها بالأغشية. يُعَدّ إنزيم الفوسفوليباز A2 المرتبط بالبروتينات الدُّهنية (\( \mathrm{Lp\text{-}PLA}_2 \)) واحدًا من هذه الإنزيمات المهمّة لصحة القلب والأوعية الدموية، إلّا أنّ آلية عمله على أغشية الفوسفوليبيد ظلّت غامضة. ولتجلية ذلك، استخدم باحثون في كلية الطب بجامعة كاليفورنيا في سان دييغو أدواتٍ تجريبيةً وحاسوبيةً متقدِّمة لتوضيح كيفية تفاعُل الإنزيم مع الغشاء وتحديد ركائزه المفضَّلة. نُشِرَت النتائج في 3 يناير/كانون الثاني 2022 في النسخة الإلكترونية من وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم.
يتفاعل \( \mathrm{Lp\text{-}PLA}_2 \) مع البروتينات الدُّهنية في مجرى الدم، بما في ذلك النوعان الشائعان: البروتين الدهني منخفض الكثافة (\( \mathrm{LDL} \)) والبروتين الدهني العالي الكثافة (\( \mathrm{HDL} \)). تتكوّن هذه الجسيمات من طبقة فوسفوليبيدية أُحادية كروية تُغلِّف نواةً كارهةً للماء من الدهون الثلاثية وإسترات الكوليسترول. ومع مرور الوقت، قد تتأكسد الفوسفوليبيدات في هذه الطبقة الخارجية بفعل الجذور الحُرّة وأنواع الأكسجين التفاعلية، ما يُسهم في تكوّن اللويحات وتطوّر أمراض القلب والأوعية الدموية. يقوم \( \mathrm{Lp\text{-}PLA}_2 \) بتحليل رابطة الإستر عند الموضع sn-2 في الفوسفوليبيدات المؤكسَدة، مُطلِقًا ليسوفوسفوليبيدات وأحماضًا دهنية (مؤكسَدة) يُستَقلَب لاحقًا، ومن ثَمّ يخلِّص غشاء الجسيم الدهني من هذه المُكوّنات. إنّ الفهم الدقيق لهذه العملية يفتح آفاقًا جديدة لعلاجات أمراض القلب والأوعية الدموية.
قال إدوارد أ. دينيس، دكتوراه، المؤلف الرئيسي للدراسة وأستاذ متميِّز في علم الأدوية والكيمياء الحيوية بكلية الطب بجامعة كاليفورنيا في سان دييغو: «يسرّني أنّنا تمكّنّا من الغوص أعمق من أيّ وقتٍ مضى في آلية عمل هذا الإنزيم. وباستخدام أحدث التقنيات في علم الدُّهون والمحاكاة الديناميكية الجزيئية، حصلنا على صورةٍ تُغني عن ألف كلمة؛ لدينا الآن مقاطع فيديو تُظهِر عمل الإنزيم على المستوى الذرّي، ممّا سيساعدنا على ابتكار طرائق لتفعيل نشاطه أو تثبيطه بما يخدم الأغراض العلاجية».
كشفت هذه المقاربة المتقدِّمة عن منطقة ببتيدية محدَّدة تتكوّن من حلزونَيْن ألفا متَّصلَيْن بحَلْقة تعمل بمثابة «بوّابة» للموقع النشِط للإنزيم. عادةً ما تكون هذه البوّابة في وضع «مغلق»، ولكن عند ارتباط \( \mathrm{Lp\text{-}PLA}_2 \) بغشاء الفوسفوليبيد يخضع الإنزيم لتغيّر تراكُبي ألوستيري يفتح البوّابة ويزيد من حجم الموقع النشِط. كما بيّن فريق دينيس، بقيادة المؤلف الأوّل فارنافاس د. موتشاليس، دكتوراه، أيُّ ركائز الفوسفوليبيد المؤكسَدة تتمتّع بأعلى تقارُبٍ مع الإنزيم. وحدَّدوا كذلك جيبَ ارتباطٍ مميَّزًا يختلف عن جيوب مثبِّطات الأدوية المعروفة، وقد يشكّل هدفًا جديدًا لتطوير مثبِّطات علاجية مستقبلًا.
تندرج هذه الدراسة ضمن سلسلةٍ طويلةٍ من الأبحاث في مختبر دينيس ترمي إلى تطوير إطارٍ نظريٍّ موحَّد لوظائف الفوسفوليبازات. سبق أن اقترحت المجموعة مفهومَ التنظيم الألوستيري المعتمِد على الغشاء لإنزيمات \( \mathrm{PLA}_2 \)، لكنّ أعمالها انصبّت حتى الآن على تلك الإنزيمات التي تتفاعل مع الطبقات الثُّنائية للفوسفوليبيد (كما في الأغشية الخلوية والعضيّات). وتؤكّد هذه الدراسة أنّ آليةً مماثلة يمكن أن تُيسِّر عمل الفوسفوليبازات على الطبقات الأُحادية للفوسفوليبيد، كما في سطوح البروتينات الدُّهنية.
وتابع دينيس: «تؤدّي إنزيمات \( \mathrm{PLA}_2 \) أدوارًا جوهرية في الالتهاب والهضم وصحّة الدماغ وغيرها، ولذا فمن المُدهش أن نرى هذا الطيف الواسع من الإنزيمات يشترك في استراتيجية عملٍ متشابهة. لقد درسنا هذه العائلة الفائقة من الإنزيمات قرابة 50 عامًا، والحصولُ أخيرًا على هذه الصورة الكاملة لكيفية عملها له أثرٌ كبيرٌ في دفع هذا المجال برمّته قُدُمًا».