الكائناتُ الدقيقةُ هي أكثرُ أشكالِ الحياةِ وَفْرَةً وتنوُّعًا على الأرض. ومع ذلك، تظلّ الغالبيّة العظمى منها مجهولة. فعليًّا، لا يمكن استزراعُ سوى جزءٍ صغيرٍ من هذه الكائنات في المختبر باستخدام طرائق تقليدية، وهو ما يترك عالمًا واسعًا من الكائنات غير القابلة للاستزراع خارج نطاق دراستنا. ينطبق ذلك بخاصّةٍ على البكتيريا التي تزدهر في الظروف القاسية، إذ يصعب محاكاة تلك البيئات في المختبر. وعلى الرغم من إجراء بعض الدراسات الميكروبيّة في صحارى كبرى مثل أتاكاما وجيبسون، فإنّ الأراضي القاحلة في أوروبا ما زالت غيرَ مدروسةٍ بما يكفي.
لاستكشافِ التنوّعِ الميكروبي في بعضِ صحارى أوروبا مؤخرًا، أجرى باحثون من جامعة فالنسيا ومؤسَّسة داروين للتميُّز في التَّنقيب الحيوي دراسةً لتنوّعِ البكتيريا في صحراء تابيرناس الشبه القاحلة. ولهذا الغرض، طوَّر الفريقُ طرائقَ جديدةً لاستزراع البكتيريا. يقول الدكتور مانويل بوركار، قائدُ الفريق في جامعة فالنسيا ورئيسُ مؤسَّسة داروين للتميُّز في التَّنقيب الحيوي والمؤلِّفُ الرئيسي للدراسة:
جرّب الباحثون طرائقَ استزراعٍ متعدّدة للعثور على شروطٍ مناسبة لأحياءٍ كانت تُعَدّ سابقًا غيرَ قابلةٍ للاستزراع. استندت استراتيجيتهم إلى المزج بين وسائطَ غذائيةٍ متنوّعة، وخفضِ تركيزِ المغذّيات عبر تخفيفاتٍ تسلسليّة (حتى مئة مرّة)، وتمديدِ فتراتِ الحضانة (حتى شهر). وفي المُحصِّلة، عُزلت 254 سلالةً بكتيريّة. وانتمت العزلاتُ المُستحصلة على وسائط غنيّةٍ في معظمها إلى أصنافٍ موصوفةٍ سابقًا تقطن التربة أو عُزلت من صحارى أُخرى. ومع ذلك، فإن 60\% من السلالات المعزولة على وسائط مُخفَّفة بشدّة تبقى غيرَ مُوصوفة وقد تُمثّل أنواعًا جديدةً من البكتيريا.
كما أتاح اعتمادُ فتراتِ حضانةٍ مُطوَّلة إمكانيّةَ عزلِ بعضِ السلالات القليلةِ التغذية (بكتيريا بطيئةُ النمو تعيش في بيئاتٍ فقيرةٍ بالمغذّيات)، وهي سلالاتٌ يصعب استزراعُها مختبريًّا. بوجهٍ عام، تُسلِّط هذه الدراسةُ الضوءَ على قدرةِ استراتيجياتٍ بسيطةٍ على تحصيلِ تنوّعٍ ميكروبيٍّ أكبر من العينات الطبيعيّة، ولا سيّما القادمةِ من بيئاتٍ قاسية.
لكنّ التنوّعَ الحيويَّ البكتيري غيرَ المُستغلّ في صحراءِ تابيرناس قد تكون له تطبيقاتٌ تتجاوز علمَ البيئة وعلمَ الأحياءِ الدقيقة. يقول بوركار: