رؤية الأقمار الصناعية خلال الكسوف الكُلّي في أبريل 2024

Samantha M. Lawler

Hanno Rein

Aaron C. Boley

مُلخَّص

في 8 أبريل 2024، سيحظى عشرات الملايين من الناس في أمريكا الشمالية بفرصة مشاهدة الكسوف الكُلّي للشَّمس. حظيت هذه الأحداث الفلكيّة بأهمّية كبيرة عبر التاريخ، ولكن مع وجود ما يقرب من 10,000 قمر صناعي في المدار، نتساءل عمّا إذا كانت الكسوفات الكُلّية ستُظهِر الآن سماءً عامرة بالأجرام الصناعيّة، بما يُبدِّل هذه التجرِبة جذريّاً للبشر. استناداً إلى أسطول Starlink الحالي من الأقمار الصناعيّة، نجد أنّ أشدّها سطوعاً سيكون مرئياً بالعين المجرّدة في سماء ليليّة مُظلمة، لكن سطوع السماء الشديد أثناء الكُلّية سيجعل رصدها مستحيلاً بالعين المجرّدة. لا يأخذ نموذجنا في الحُسبان انعكاساتٍ عارضة عن الأسطح الكبيرة المُسطَّحة مثل الألواح الشمسيّة، والتي نتوقّع أن تُحدِث ومضات ضوئيّة قد تَسْطع من بعض الأقمار الصناعيّة الكبيرة وبقايا الصواريخ المهجورة. قد يكشف التصويرُ التتابعي لكامل السماء عن هذه الأقمار الصناعيّة أثناء الكسوف.

مُقَدِّمة

هناك حالياً أكثر من 9,500 قمر صناعي نشط في المدار، تُشكِّل كوكبة ستارلينك التابعة لشركة سبيس إكس نحو 59% منها، إضافةً إلى أكثر من 3,000 قمر صناعي متوقِّف عن العمل، وأكثر من 2,200 هيكل صاروخي مهجور، وحوالي خمسة عشر ألف قطعة من الحطام الفضائي القابل للتتبُّع.

ورغم أن هذه الأجسام المداريّة تُثير مخاوف جدّية بشأن سلامة الملاحة الفضائيّة، فإنّها أيضاً تعكس وتشتّت ضوء الشّمس. فالتلوّث الضوئي الأرضي معروف جيّداً ويُشكِّل مشكلة مُلحّة في شتّى أنحاء العالم. غير أنّ التلوّث الضوئي المداري مختلف جذريّاً؛ إذ يؤثّر في السماء على نحوٍ عالمي، مُعوِّقاً صلة البشر بالسماء الليليّة عبر المعمورة دون إمكانٍ للسيطرة المحليّة، وقد بات مشكلةً خطيرةً للأبحاث الفلكيّة الرَّصديّة ولبرامج المسوح الفلكيّة (Mroz2022, Kruk2023).

ومع اقتراب موعد الكسوف الكُلّي للشّمس، سيحظى عشرات الملايين في أمريكا الشماليّة بفرصة تجرِبة حدثٍ فلكي أثار الرَّهبة عبر التاريخ البشري. وإلى جانب كونه منصّة لاختبار النظريّات العلميّة (Dyson1920)، تُقدَّر عائداته الاقتصاديّة بما يقارب مليار دولار من السياحة، وهو ما يعادل تقريباً الأثر الاقتصادي لمباراة السوبر بول. ولا تزال الكسوفات أحداثاً ذات وقعٍ ثقافي عميق في شتّى أنحاء العالم.

في ظلّ هذا الاهتمام، نتساءل هل يمكن للأقمار الصناعيّة أن تُحوِّل هذه التجرِبة المشتركة بإضاءة السماء بسلسلةٍ من النقاط المتحرّكة أثناء مرحلة الكُلّية. وقد اتّضح عند محاولة الإجابة عن هذا السؤال بعضُ التعقيدات اللافتة: فمع أنّنا نتوقّع أن تبقى معظم الأقمار الصناعيّة خافتة وغير ملحوظة، فإنّ هناك سيناريوهات قد تُصبح فيها بعضُ الأجسام مرئيّة.

محاكاة السطوع

نتعامل مع المسألة بأساليب مماثلة لما استُخدِم في (Lawler2022). عند توقّع سطوع الأقمار الصناعيّة نتحقّق أوّلاً مما إذا كان الجسم في ظلّ الأرض، وإن لم يكن كذلك نُقدِّر سطوعه اعتماداً على المسافة بين المُراقب والقمر الصناعي، والبياض (الانعكاسيّة)، ومساحة السطح، وزاوية الطور (الزاوية بين المُراقب والقمر الصناعي والشّمس). ويتوقّف الانعكاس الفعلي أيضاً على وضعيّة القمر الصناعي ودالّة توزيع الانعكاس ثنائيّة الاتّجاه؛ وهي معلومات غالباً ما لا تتوفّر، لذا نعتمد نموذج طورٍ مُبسَّط. على وجه التحديد، نستخدم نموذج الكرة اللّامبرتية (Lawler2022) استناداً إلى ملاحظاتنا لستارلينك ليلاً (Boley2022). كما اختبرنا نماذج/صِيغاً أخرى لم تُغيّر استنتاجاتنا العامة.

تستلزم المراقبة النهاريّة أثناء الكسوف تعديلين أساسيّين: أوّلاً، الأقمار الصناعيّة الأقرب إلى المُراقِب، والتي تكون عادةً الأشدّ سطوعاً، تقع كذلك جزئيّاً في ظلّ القمر؛ ومن ثمّ لا يصلها إلّا جزءٌ من ضوء الشّمس المنعكس. ثانياً، مع أنّ الشّمس تُحجَب جزئيّاً عن بعض الأقمار الصناعيّة، فإنّ هذه الأجسام تتلقّى أيضاً ضوء الأرض؛ وبالتالي حتى الأقمار الصناعيّة الواقعة كلّياً في ظلّ القمر قد تُضيءَ جزئيّاً بضوء الأرض.

في نمذجتنا، نستخدم بيانات العناصر المداريّة لكوكبة ستارلينك التي حصلنا عليها من (CelesTrak) في 18 مارس 2024، ثمّ نُحوِّل هذه العناصر إلى لحظة منتصف الكسوف لمُراقِبٍ في كينغستون، أونتاريو. ونحن ندرك أنّ دقّة هذه العناصر قد تتناقص عند الاستشراف على مدى بعيد، غير أنّ النتائج تبقى مُلائمة من الناحية الإحصائيّة.

توقّعات السماء

يعرض الشكل [fig:sky] لقطاتٍ متوقّعة لتوزيع سطوع الأقمار الصناعيّة فوق كينغستون، أونتاريو، أثناء الكسوف. ينخفض الضوءُ المنعكس من كلّ قمرٍ صناعي تبعاً للجزء من قرص الشّمس الذي يحجبه القمر، كما نأخذ في الحُسبان الإضاءة الإضافيّة النّاتجة عن انعكاس ضوء الأرض نحو القمر الصناعي. ونظراً لأنّ بعض مناطق الأرض نفسها تقع في ظلال القمر، فإنّنا نقوم بنمذجة تأثير ضوء الأرض باستخدام خوارزميّة تتبّع أشعّة تُراعي هندسة الإضاءة المُعقّدة.

نجد أنّ الأقمار الصناعيّة المُضاءة أثناء الكسوف ستبقى خافتة على نحوٍ عام، نظراً لزوايا طورٍ شمسيّة كبيرة ولقوع معظمها في الظلّ الجزئي أو الكُلّي للقمر. وبحسب نتائج المحاكاة، سيكون القدر الظاهري الأقصى لألمع الأقمار الصناعيّة في السماء نحو \( g \approx 6.1 \). وهذه القيمة أخفَتُ بكثير من توقّعات الليل/الشَّفَق حين لا يَحجُب ظلّ القمر ضوء الشّمس، حيث قد تصل إلى \( g_{\rm max} \approx 3.5 \) (Lawler2022).

ورغم أنّ \( g \approx 6.2 \) قد يكون قابلاً للرؤية بالعين المجرّدة في سماء ليليّة مُظلمة، فإنّ سطوع السماء خلال الكسوف سيفوق حتى ضوء البدر الكامل، إذ يبلغ نحو 12.5 ماغ/ثانية قوسيّة (Pramudya2016). لذلك، لا نتوقّع أن يكون أيٌّ من أقمار ستارلينك مرئياً بالعين المجرّدة أثناء الكسوف.

ومع ذلك، إذا وُجدت أقمار ستارلينك في وضعيّة «زعنفة القرش» (أي الألواح الشمسيّة عموديّة على سطح الأرض)، فقد تحدُث انعكاسات واضحة («ومضات») من الألواح الكبيرة المُسطَّحة. وقد لوحِظت هذه الومضات سابقاً في صورٍ بحثيّة (Karpov2023). ونظراً لغياب معلوماتٍ تفصيليّة عن توجيه الأقمار الصناعيّة أو أشكالها أو خصائص موادّها، لا يمكننا حالياً التنبّؤ بوقت أو شدّة تلك الومضات؛ إذ يتوقّف ذلك على التوافق الهندسي بين المُراقِب والشّمس والقمر الصناعي.

وعلى الرغم من تركيز هذه المحاكاة على ستارلينك بوصفها الغالبيّة العُظمى من الأقمار العاملة، فإنّ في المدار أيضاً آلاف الهياكل الصاروخيّة المهجورة كما ذُكر أعلاه. تبقى هذه الأجسام الكبيرة في الفضاء أيّاماً إلى عقودٍ بعد الإطلاق، وقد تكون ساطعةً جدّاً حتى من مسافاتٍ كبيرة، ما يجعلها مرئيّة طيلة الليل وعلى مدار العام (انظر [byersboley2023] الفصل 4). كما أنّها تدور على نحوٍ فوضوي، مُنتِجةً ومضاتٍ ساطعة قد تُرصَد بالعين المجرّدة.1 نَشْتَبِهُ في أنّ مثل هذه الأجسام ستكون مرئيّة أثناء الكسوف، لكنّ الأمر يتطلّب رصْداتٍ للتحقّق.

الخُلاصة

الأقمار الصناعيّة الساطعة تُغيِّر السماء في جميع أنحاء العالم، فتُعيق أبحاث الفلك وممارسات الرَّصد الثقافي للنجوم على حدٍّ سواء. تُظهِر محاكاتُنا هنا أنّ أقمار Starlink المُضاءة بضوء الشّمس لن تكون مرئيّة بالعين المجرّدة في السماء أثناء الكسوف الكُلّي في أبريل 2024. ومع ذلك، قد تبقى ومضاتُ أجسامٍ صناعيّة أخرى في المدار مرئيّة. يمكن للملاحظات الزمنيّة الواسعةِ المجال خلال الكسوف أن تُسهم في قياس شدّة وتواتر هذه الومضات، فضلًا عن توفير بياناتٍ إضافيّة لتقييم سطوع الأقمار الصناعيّة. تتغيّر سماء الليل سريعاً بسبب النشاط المتزايد في المدار الأرضي المنخفض، لذا ندعو الفلكيّين إلى اقتراح وتنظيم جهودٍ لتنظيم استخدام المدار وحوكمته، مثل مجموعة حماية السماء التابعة للاتحاد الفلكي الدولي (IAU-CPS2).


  1. لدى المؤلفين برنامجٌ مُستمرّ لتقييم سطوع وتقلبات هياكل الصواريخ.

  2. https://cps.iau.org/